عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك؛ واتجهت العرب إلى المدينة تعلن ولاءها وكان موسم الحج الجديد (ثم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم، فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين).
قال ابن إسحاق:(وحدثتني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت سورة براءة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان بعث أبا بكر ليقيم للناس الحج قيل له يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال أخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو له إلى مدته، فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبو بكر بالطريق تقال: أأمير أم مأمور؟ قال بل مأمور، ثم مضيا فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم في الحج التي كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذن بالناس بالذي أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففال: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم اإلى مأمنهم أو بلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلى مدة فهو له إلى مدته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان).
لقد كان حج العام التاسع من حيث الشعائر فيه كامل الحرية للمسلمين والمشركين دون وجود سلطة محددة تمنع هذا أو ذاك، ولكن ظهر المجتمع الإسلامي الضخم الذي يقوده أبو بكر رضي الله عنه والمسلمون معه يحجون بحجه، ولا يبعد أن يكون كثير من المسلمين مع قبائلهم وفي مواقعها.
وكان هذا التجمع مناسبة طيبة لإعلان الأوامر الربانية في إنهاء الوجود الوثني في جزيرة العرب والذي استمر عدة قرون وفي الكعبة المشرفة.