ومن جهة رابعة، فعلى قريش أن تذوق وبال أمرها لموقفها المشين من الدعوة، وأن تتجرع مرارة هذا الموقف، فتعلم أن مصالحها وتجارتها صارت مهب الريح بعد أن سيطر المسلمون على شريان حياتها من خلال قوافلها إلى الشام، حيث أصبحت رحلة الصيف عندها وخيمة العواقب.
والحركة الإسلامية اليوم التي تمضي جادة في طريقها لإقامة دولة الإسلام، لا بد لها في حربها ضد الطاغوت الكافر من أن تقض مضجعه، وتزعزع نظامه، وتزلزل الأرض من تحته، وتسعى جاهدة لاجتثاث جذوره. فيكون ككلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، ولن يتأتى هذا لها ما لم تكن لها أرض آمنة تنطلق منها، وتبث سراياها إليه فتوجعه في موطن القوة عنده.
وهي مضطرة أحيانا للتفاهم مع بعض الأنظمة للهدنة معها والاستفادة منهما كمركز انطلاق للمواجهة، وشباب الدعوة المجاهدون في هذه المرحلة هم الصفوة المختارة للمواجهة، وهم الوقود الأول للمعركة.
وإن الحركة الإسلامية لتفخر بقوافل الشهداء، التي مضت قافلة إثر قافلة وسرية عقب سرية تضرب في قلب العدو، وتفخر بعظمة البطولات والتضحيات التي تحتسبها عند الله عز وجل، وحين تذكر هذا الواقع، إنما تذكره إيذانا بإرغام أنف العدو وتبكيته، ودعوة إلى الشباب أن ينضووا تحت اللواء لمتابعة المسيرة المباركة في الحرب العوان مع العدو.
السمة الثانية عشرة
التميز الإسلامي قبيل المواجهة
إضافة إلى ميثاق التحالف - الذي حدد إسلامية الدولة، وأوضح أن المسلمين أمة من دون الناس، فلقد مر التميز الإسلامي في مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة المجاملة لأهل الكتاب، وكان الهدف الأكبر من هذه المجاملة هو تأليف قلوبهم ودعوتهم إلى الإسلام وهم أهل الكتاب الأول