قال ابن إسحاق: فلما دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذو القعدة تجهز للناس، وأمر الناس بالجهاز له، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ليال بقين من ذي القعدة.
ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حجه فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا. وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله، وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية أما بعد أيها الناس. فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد في أرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.
أيها الناس. إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا. منها أربعة متوالية، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أما بعد أيها الناس: فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة. فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعتلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت.
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرىء إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه نلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟