وهو معنى هام حرصوا عليه، وذلك حتى لا يجشموا النجاشي عناء السماع لهم. لعلمهم باحتمال فشل خطتهم لو استمع إلى المسلمين.
الشيء الوحيد الذي حال دون تنفيذ الخطة وأفسدها على المشركين هو عظمة النجاشي، وأصالة عنصره، وطيب محتده يوم رفض - رغم قرار مستشاريه من البطارقة - الحكم والتسليم قبل أن يسمع من المسلمين.
ما أحوجنا ونحن نعمل في الحركة الإسلامية أن نعرف أقدار الرجال وموازينهم. إن بعض الكفار قد يقيضهم الله تعالى ليكونوا حماة للإسلام، وبعضهم قد يكونون على الحياد، وبعضهم يعملون لاستئصال شأفة الإسلام، فهل يجوز للمسلمين أن يعاملوهم جميعا على مستوى واحد؟؟
إنهم لو فعلوا ذلك لكانوا إما أغبياء جهلاء، أو غادرين لؤماء، وكلا هذين الموقفين يبرؤ منهما العنصر الإسلامي الأصيل. وهذا ما سنراه من خلال الحديث عن الجوانب الأخرى في هذه الوثيقة.
السمة الثانية والعشرون
عبقرية الوفد الإسلامي في حوار الملوك
لقد كانت هذه الجالية الإسلامية من الكفاءة والعبقرية ما جعلها تحطم كل أحابيل الأعداء، وفيهم عمرو بن العاص داهية العرب قاطبة.
لقد كان الصف الإسلامي في الحبشة يمتاز أول ما يمتاز بالحب والمودة والثقة بين أفراده وكانت الميزة الثانية فيه لجوءه إلى الشورى. (فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ...) فلا يقطع أحد منهم برأي ولا ينفرد فيه عن أخيه.
وكانت الميزة الثالثة فيه تقديرهم للكفاءات والطاقات، فاختاروا رجلا منهم ليكون الناطق الرسمي بهم حيث ووجه جعفر رضي الله عنه بالسؤال الأول عن هذا الدين.