للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمة الثالثة والعشرون

لا مساومة على العقيدة

لقد هزم عمرو في الجولة الأولى شر هزيمة، ولكنه عمرو، فأين دهاؤه، وهو الذي حفظ عنه التاريخ في كلمته التاريخية فيما بعد في تحديد مستويات الدهاة المسلمين. معاوية للمعضلة، وعمرو للبديهة، والمغيرة لكل صغيرة وكبيرة. ولقد قدمت الفكرة عنده منذ الوهلة الأولى، وبينها لإلحاق شر هزيمة منكرة بالمسلمين عبر عنها بقوله لصاحبه: والله لأتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم.

حتى لنستمع إلى مشاعر أم المؤمنين رضي الله عنها من الغيظ على عمرو، وحفظ الجميل لصاحبه ابن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - إن نقطة الخلاف التي تحاشاها المسلمون بذكائهم ونباهتهم هي التي أثارها عمرو عليهم حربا ضروسا لها أوار. لقد بيتها لهم إلى اليوم الثاني حيث قابل النجاشي بقوله: - إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما.

إن عمرو قد خطط أن يفتك بهم بنفس السلاح الذي هزموه فيه، بالحديث عن مريم وعيسى بن مريم. وكانت المحنة الجديدة أمام المسلمين، حيث لا مفر لهم من قول الحقيقة التي تحاشوا ذكرها من قبل، لم تعد تجدي العبقرية هنا لأننا أمام أصحاب مبادىء لا تجار سياسة. لأننا أمام دعاة إلى الله، وليس مع دجالين نهازين للفرص حتى يصلوا إلى الحكم، وهنا تقف حدود السياسي على عتبة الداعية، وهذا ما قرره الدعاة المسلمون بعد كل المكاسب التي حققوها. إنهم أمام واقع قد يفقدهم كل هذه المكاسب، والتي منها إسلام النجاشي، والتي منها حرية الدعوة. بل قد يؤدي إلى التنكيل بهم والقضاء عليهم، وتسليمهم إلى عدوهم.

كيف يتصرف السياسي المسلم أمام هذه الموازنات؟ أمام هذه الخيارات

<<  <  ج: ص:  >  >>