حول المحور النفسي وإثارة الشهامة والرجولة في نفس الملك.
كان من الطبيعي بعد هذه العبقرية في العرض، والفذاذة في الأسلوب، أن ينهزم عمرو بن العاص وصاحبه هزيمة منكرة.
إن كل النقاط التي أثيرت عن الإسلام هي نقاط التقاء بين النصرانية والإسلام، بينما أغفلت لحد ما نقاط الخلاف. والدبلوماسي والسياسي المسلم هو أحوج ما يكون ليفقه هذه الدروس في المفاوضات. وهي خطوط عامة في أي لقاء أو حوار مع أية جهة أو قيادة سياسية على مستوى القمة.
١ - تفنيد عيوب الجاهلية التي تعادي نظام الجهة المفاوضة، أو لا تتبنى وجهة نظرها على الأقل.
٢ - عرض المبادىء، والأسس العامة للإسلام التي يقوم عليها البناء بعد هدم المفاهيم الجاهلية السابقة.
٣ - عرض جوانب الظلم والاضطهاد التي يعانيها حملة المبادىء من الطواغيت والظالمين.
٤ - عرض الأمل الكبير المنوط بالجهة المفاوضة في رفع هذا الظلم والحيف في ثناء حصيف متزن.
٥ - إغفال نقاط الخلاف والإثارة التي يمكن أن تفسد الجو بين السياسي المسلم، والجهة المفاوضة، ثم كان ختام المفاوضات في تلاوة صدر سورة مريم بطلب من النجاشي أن يستمع إلى شيء مما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا شيء أحب على قلب النجاشي من أن يسمع صدر صورة مريم العذراء الطاهرة البتول، وأصدر حكمه النهائي بعد هذا كله:(إن هذا والذي جاء به عيسى من مشكاة واحدة).
إن وفدا يستطيع أن يبكي ملكا أو رئيسا ويبكي معه كل أعضاء وفده عن صدق وقناعة هو أعلى وفد ينجح في مهمته. بعد أن كانت البداية هي تعرضه للطرد والإبعاد من بلد هذا الملك. وكم هذا الوفد على مستوى من الكفاءة والعبقرية، أن يكسب عقائديا بعد أن كسب سياسيا، ويضم الملك إلى الإسلام؟؟؟.