للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمة الخامسة عشرة:

التحدي الأكبر للروم في غزوة تبوك

في شمال الجزيرة العربية كما ذكرنا من قبل كان إقبال الوفود العربية قليلا جدا، إلا ما ذكر من وفد بلى، ووفد فرع من قضاعة غير أن الحدث المهم في شمال جزيرة العرب هو إسلا م فروة بن عمرو الجذامي الذي كان قائدا من قواد الروم، وواليا لهم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام. فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم فقال في محبسه ذاك:

ولقد علمت أبا كبيشة أنني ... وسط الأعزة لا يحص (١) لساني

فلئن هلكت لتفقدن أخاكم ... ولئن بقيت لتعرفن مكاني

ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى ... من جودة وشجاعة وبيان

فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين قال:

ألا هل أتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل

ولما قدموه ليقتلوه قال:

بلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي ومقامي

وكما كان السبب المباشر في مؤتة مقتل الحارث بن عمير الأزدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان السبب المباشر في تبوك هو مقتل فروة بن عمرو الجذامي الذي استغاث بالمسلمين وبر سول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبع هذا الأمر حشود ضخمة على الحدود الشمالية، وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين حتى كان الخوف يتسورهم في كل حين لا يسمعون صوتا غير معتاد ولا ويظنونه زحف الرومان. ويظهر ذلك جليا مما وقع لعمر بن الخطاب فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرا فهجرهن (٢) ففي صحيح البخاري (وكنا تحدثنا أن آل غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أنائم هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال حدث أمر عظيم، فقلت: ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال لا بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه) (٣).


(١) لا يحص: لا يقطع.
(٢) الرحيق المختوم للمباركفوري ٤٨٣.
(٣) صحيح البخاري ١/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>