محضن الردة فيما بعد. وبقي الشمال العربي مستعصيا فلم تتحرك وفوده إلى المدينة، أما ملوك العرب في الجنوب حمير وكندة فقد جاؤوا مستسلمين لله عز وجل منيبين إليه كما وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرق قلوبا وأرق أفئدة.
غير أن بني الحارث بن كعب كانت طريقة دعوتهم مختلفة فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالدا إليهم، لأنهم مشهورون بقوة شكيمتهم وشدة بأسهم، وخالد بن الوليد قد طغت شهرته في الأرض العربية من حيث كفاءته القيادية فلا بد أن يشعر القوم بالقوة المرهوبة الجانب، ومن طرف آخر فالفشل الدعوي الذي لقيه خالد رضي الله عنه في بني جذيمة. كان لا بد أن يغسله في موقف دعوي آخر فكانت الفرصة المتاحة الجديدة في بني الحارث بن كعب. كان لا بد له أن يضبط أعصابه ويتحلى بالصبر الطويل على الخلق البشري، والتعنت البشري وهذا أشق عليه ألف مرة من الصبر في المعارك وتحمل ضراوتها، وأن يتعود هذا السيف الذي سله الله على المشركين، أن يغمد أمام سيل الدعوة المنطلق فترة من الفترات هو أمر ضروري فعظمة الالتزام أن يكون هذا السيف تحت إمرة الله ورسوله وأن تجرب مشاق الدعوة ووعورتها وأثرها الضخم في النفس الإنسانية.
ونجح ابن الوليد أيما نجاح في هذه الدورة التدريبية على الدعوة، وهيأ الله تعالى له في مدخر أجر أن يكون إسلام بني الحارث بن كعب على يديه، وبذلك أصبح الجنوب العربي إسلاميا خالصا لله وحده.