فما حملت من ناقة فوق رأسها ... أشد على أعدائه من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... وأمضى بحد المشرفي المهند
هـ - وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسوله إليه بإسلامهم، الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل (١) ذي رعين ومعافر وهمدان! وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله.
و- ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم، فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام، وكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك كان أمره - صلى الله عليه وسلم - إن هم أسلموا ولم يقاتلوا.
فأقبل خالد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب. فلما وقفوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأنه لا إله إلا الله. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنتم الذين إذا زجروا استقدموا فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الثانية، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثالثة فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة فقال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو أن خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألفيت رؤوسكم تحت أقدامكم، فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا، قال: فمن حمدتم؟ قالوا: حمدنا الله عز وجل الذي هدانا بك يا رسول الله، قال صدقتم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ قالوا: لم نكن نغلب أحدا، قال: بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم، قالوا: كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله أنا كنا نجتمع رلا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم. قال: صدقتم، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورحم وبارك ورضي وأنعم.
لقد تحرك جنوب الجزيرة العربية كلها، نجران وهمدان ومراد وزبيد ومذحج، بقلوب مفتوحة للإسلام، ونفوس متعطشة إليه، بينما دخل وسط الجزيرة العربية هربا من السيف. فكان