الصعبة؟ أن يجد كل ما بناه منهارا في لحظة واحدة، أو يجد الدولة التي يريدها على وشك أن تقوم. ثم يطلب منه أن يضحي بهذا كله من أجل حقيقة عقيدية واحدة. أبدا إما السياسي، وإما المسلم. فلا خيار عندها له إلا الإسلام. انتهى دور العبقرية ولم يكن من بد إلا إعلان العقيدة ولو كانت تغيظ الكثيرين أو تقضي على كل ما حققه المسلمون من مكاسب. قالوا وبلا خلاف: هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. لقد حصرهم دهاء عمرو في عبودية عيسى، فلا مناص، لهم من أن يقولوا الحقيقة. ولكن شرف الكلمة، وعظمة التمسك في المبدأ يكون لها من السحر الحلال أحيانا ما يفوق كل دهاقنة السياسة وعباقرة الدبلوماسية، وهذا الذي كان. - والله ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العود - ولئن فشل عمرو في تغيير قلب النجاشي، فلم يفشل في تغيير قلب بطارقته. ونخروا أمام هذه التصريحات، غير أن النجاشي زاد إصرارا على موقفه. - وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم (آمنون) بأرضي، من سبكم غرم، من سبكم غرم! ما أحب أن لي دبرا (جبلا) من ذهب وأني آذيت رجلا منكم. وانتهى الأمر بتوتر العلاقات بين النجاشي وصاحبه عمرو حتى ليأمر بإعادة الهدايا كلها إليهم. وأنها لتعني في مفهومنا المعاصر على أقل تقدير، قطع العلاقات
الدبلوماسية بين الدولتين مكة والحبشة، وإغلاق السفارات، والاعتراف الرسمي بالوجود الإسلامي في الحبشة.
السمة الرابعة والعشرون
إثارة الحرب في صف حلفاء المسلمين، وفشل هذه المكيدة بالحزم
والسرية
لم يغادر عمرو الحبشه - رغم هزيمته النكراء - إلا وقد وضع بذور الحرب الأهلية في صفوف الحبشة حيث انقسمت الحبشة إلى فريقين: فريق مؤيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوجود الإسلامي وعلى رأسه النجاشي. وفريق