للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارض -أو بتعبير أدق- للوجود الإسلامي في الحبشة وعلى رأسه مغامر جديد أو قائد انقلاب، ومن خلفه البطارقة الذين دفنوا غيظهم مؤقتا على المسلمين. ثم ساندوا هذا المغامر، وألبوا الجو ضد النجاشي حتى قامت الثورة عليه.

وهنا تطالعنا معان عديدة يجدر الوقوف عندها، ونحن ننهل من معين هذا المنهج تطالعنا مشاعر المسلمين كما تقول أم سلمة رضي الله عنها: - فوالله ما علمنا حزنا حزنا قط كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك. ثم كيف عاشوا على أعصابهم مراحل الحرب كاملة يرصدونها بيقظة وحذر. ويحمل الفتى الزبير - الذي لا يلفت الأنظار لصغر سنه، مسؤولية مراقبة الحرب والمعركة حيث يغامر سابحا إلى الطرف الآخر من النهر، وحين يتم النصر لا يتمالك أن يلوح بثوبه من بعيد فرحا بظفر هذا الكافر - ظاهرا على الأقل - على عدو يريد إبادتهم من الوجود.

والمعنى الثاني والثالث نطالعهما من تتمة قصة النجاشي: (وحدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا وخرجوا عليه فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم. فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم. ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج إلى الحبشة وصغوا له فقال: يا معشر الحبشة ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى. قال: وكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا خير سيرة.

قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول هو ابن الله. فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه. هو يشهد أن عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر له .. (١)).


(١) تهذيب مختصر السيرة لابن محمد بن عبد الوهاب ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>