فلقد كان من الممكن أن يفقد المسلمون أكبر مركز استراتيجي لهم بعزل النجاشي أو قتله. وكان النجاشي يدرك هذا المعنى، فأقدم بحصافته في بداية الأمر على تهيئة السفن للمسلمين لأنهم هم المقصودون في الأصل. فلو انتصر خصومه فلن تطال يدهم المسلمون، وإن ظفر هو فالأمن والأمان للمسلمين. وكان التصرف االثاني درسا للمسلمين، فالنجاشي لم يعلن إسلامه بعد، ومن الممكن أن تبقى شخصية سريه غير معروفة بإسلامها ليؤمن الحماية للمسلمين، ونحن بحاجة إلى أن نقارن بين الموقفين، أن جعفر لم يقف هذا الموقف، ووقفه النجاشي لماذا أبيح للنجاشي ذلك، ولم يبح لجعفر، رغم أن كلا الشخصين مسلمان.
أما جعفر فهو الذي يمثل الإسلام والمسلمين، ومن خلاله يعرف الإسلام وتعرف عقائده. فلا مجال للغمغمة والتخفية، لأن هذا يعني طمس عقيدة الإسلام في نفوس الناس.
أما النجاشي فلا يعرف الإسلام بشخصه، ولا يعرف من خلاله، بل هو فرد عادي، الأصل أنه نصراني لا مسلم. فاقتضت المصلحة السياسية أن يبقى محافظا على سريته، ولجأ في اللحظة الحاسمة إلى التورية والإخفاء، وبقي في ذهن شعبه نصرانيا فأخمدت الثورة عليه. هذا الموقف هو الذي يمكن أن نسميه تغطية سياسية لأي جهاد إسلامي. فلو أن ضباطا في جيش يحملون في السر إنتماء إسلاميا لحركة مجاهدة، فليس بالضرورة أن يكشف عن هويتهم، ويعلن إسلامهم طالما أن في إخفاء شخصيتهم مصلحة للإسلام والمسلمين.
إن شخصية النجاشي، وشخصية العباس، وشخصية نعيم بن مسعود، هي نماذج إسلامية محتذاة للحركة الإسلامية ومن خلال أدوارها التي تؤديها، يمكن تحقيق حماية أو نصر أو تمكين للمسلمين في الأرض دون حرج تحمله الحركة الإسلامية أو تحمل أوزاره.