يحدثنا الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى عن الفرقان ببدر فيقول:(ثم نقف كذلك أمام وصف الله - سبحانه - ليوم بدر بأنه يوم الفرقان {إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان (١)}.
لقد كانت غزوة بدر - التي بدأت وانتهت بتدبير الله وتوجيهه وقيادته ومدده فرقانا بين الحق والباطل - كما يقول المفسرون إجمالا - وفرقانا بمعنى أشمل وأدق وأوسع وأعمق كثيرا.
كانت فرقانا بين الحق والباطل فعلا .. ولكنه الحق الأصيل الذي قامت عليه السموات والأرض. وقامت عليه فطرة الأحياء والأشياء .. الحق الذي يتمثل في تفرد الله - سبحانه - بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير، وفي عبودية الكون كله سمائه وأرضه، أشيائه وأحيائه، لهذه الألوهية المتفردة ولهذا السلطان المتوحد، ولهذا التدبير وهذا التقرير بلا معقب ولا شريك .. والباطل الزائف الطارىء الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك ويغشي على ذلك الحق الأصيل، ويقيم في الأرض طواغيت لتصرف في حياة عباد الله بما تشاء، وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء! فهذا الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر، حيث فرق بين ذلك الحق الكبير، وهذا الباطل الطاغي، وزيل بينهما فلم يعودا يلتبسان!
لقد كانت فرقانا بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق العميق، على أبعاد وآماد: كانت فرقانا بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق الضمير .. فرقانا بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور، وفي الخلق والسلوك، وفي العبادة والعبودية، وبين الشرك في كل