وكما كان التميز في قبلة الصلاة، وكان التميز في شهر الصيام، فلقد كان التميز كذلك في فريضة الزكاة، فقد كانت الزكاة والصدقات عامة لدى المؤمنين في الأرض. لكنها تتخذ الآن لدى المسلمين تحديدا آخر. فلقد حددت زكاة الفطر بنصاب معين، كما نزلت أنصبة الزكاة بشكل محدد وواضح لا لبس فيه.
وهكذا نرى التميز في الصلاة والزكاة والصيام، وكان هذا إيذانا بتحديد أن المسلمين أمة من دون الناس، وأن اليهود قد كفروا بالحق الذي جاء من عند الله، وكانت هذه الأمور الحاسمة الخطيرة في شهر شعبان، إيذانا كذلك، بالتميز الإيجابي، وإرهاصا لغزوة بدر الكبرى التي سماها الله تعالى فرقانا. كما سمى كتابه الفرقان. وهذه الأحكام الشرعية التي نزلت قبيل بدر، وكانت بمثابة تمهيد لها تعطينا دروسا هامة تستفيد منها الحركة الإسلامية.
إن الحركة الإسلامية يوم تقوم على مواجهة مع العدو لا بد أن يسبق ذلك تمهيد وإجراءات. تؤكد هذا التميز وهذه المفاصلة، وتربي شباب الدعوة على هذا الوضوح وهذا الاستقلال عن الآخرين.
لقد رأينا الحركة الإسلامية قبيل إعلانها الحرب على الطاغوت الكافر. قد انتشر في صفوفها الأناشيد الإسلامية التي ملأت كل بيت مسلم، وأصبحت عوضا عن الإذاعة والتلفاز. وأصبحت في لحنها الإسلامي تربي هذا الجيل على التميز وتذكره بالجهاد وتدعوه إلى العمل لدولة الإسلام في الأرض، وأصبح الدعاة إلى الله في تلقفهم لهذا الأدب الإسلامي الجهادي، وفي تداولهم لتسجيلاته، يمثلون هذا التميز وهذه الأصالة التي تجعلهم يختلفون عن عامة الناس الذين يعيشون بقيم الجاهلية وأفكارها في الإذاعة والصحف والمجلات. لقد أخذ الأدب الإسلامي طريقه إلى قلوب الدعاة، فأشعل فيهم لهيب المعركة، وحدد لهم مواصفاتها وكان هذا إيذانا لإعلان المواجهة مع الطغاة.