وتتضح هذه السمة من خلال التوجيه النبوي لجمع هذه القوى:
وقدم أهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري، في جماعة من الأشعريين يزيدون على سبعين وذكر ابن سعد عن الواقدي بسنده، إنهم لما سمعوا خبر هجرة رسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ورجع معهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس بمكة سبعة نفر، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا. فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضميري، فأسلم، وكتب إليه أيضا أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان - وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة - فزوجه إياها. وكتب إليه أيضا أن يبعث بمن بقي عنده من أصحابه ويحملهم. فحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية فأرسوا بساحل بولا وهو الجار، ثم ساروا حتى قدموا المدينة، فوجدوا رسول الله بخيبر فأتوه فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ثم ضمه وقبل ما بين عينيه، وهم المسلمون أن يدخلوا جعفرا ومن قدم معه في سهماتهم ففعلوا، وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابهم، ونفر من الأشعريين، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة فقالوا: نعم يا رسول الله) (١).
لقد مرت الهجرة إلى الحبشة بمراحل ثلاث:
الهجرة الأولى: وكانت في السنة الخامسة. وعدد المهاجرين قليل. وعادوا في السنة السابعة عندما تناهى إلى أسماعهم خبر إسلام أهل مكة، وكان خبرا غير صحيح.
الهجرة الثانية: وبلغ عدد المسلمين فيها ثمانين ما بين رجل وامرأة. وهو تجمع في عدده قريب من تجمع المسلمين في مكة، وكما ذكر ابن سعد إنه قرابة ثلث هذا التجمع قد غادر الحبشة عقب الهجرة، وحضر منهم بضعة وعشرون غزوة بدر.
العودة الأخيرة: وكانت بدعوة رسمية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق النجاشي. ولا شك أن جعفرا رضي الله عنه لا يغيب عن ذهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومدى الحاجة الماسة إليه في المعارك الضارية مع قريش. ومع ذلك لم يستدعه النبي وصحبه مع حرصه عليه الصلاة والسلام أن يكون أقرباؤه هم وقود المعارك، والذادة عن حمى الإسلام.