معالم الإسلام. والتزلف لهؤلاء الحكام بجعل الإسلام وشريعة الله أداة لتقرير ظلمهم، وعدم القدرة على التفريق بين هاتين النقطتين. يمزق الصف المسلم، ويفجره.
فلقد رأينا هذه الرسائل تخاطب الملوك بألقابهم. ولكنها لا تقدمهم أبدا على رسول الله وهذه القضية البسيطة هي التي فجرت غيظ كسرى (عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي) فلم يكن حرجا أن نجد في نص الكتاب: عظيم فارس وعظيم القبط، والنجاشي، وعظيم الروم ونلاحظ كذلك في قضية الدعوة أن فكرة الوحدانية والرساله لا بد من أن تكون واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض حتى إذا أدى الأمر إلى التحديد حتى لا تطمس معانيها فلا بد من ذلك. حيث يكون الأمر جليا في رفض عبادة الأوثان لمن يعبد الأوثان. ورفض عبادة الصليب لمن يعبد الصليب.
غير أن هذا الإيضاح الجلي للشهادتين. كان يرافقه كثيرا الحديث عن المبادىء الإسلامية الخلقية من الصدق والعفاف والصلة وغير هذه الأمور التي يلتقي عليها الناس. ونلاحظ كذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يضرب على الأوتار النفسية التي يخشاها الحاكمون، فكانت رسله تطمئن هؤلاء الحاكمين على ملكهم، وأنه سيحفظ لهم إذا دخلوا في الإسلام، حتى أولئك الذين عادوا الإسلام وحاربوه، لم يكن الغيظ أو الحقد لغير هذه السياسة بل كان إكرامهم هو الأساس بعد دخولهم بالإسلام أو حتى بعد انقطاعهم عن حربه.
لقد كانت هذه الرسائل منعطفا كبيرا وخطيرا في تاريخ الإسلام. وسمة عظيمة من سماته. حيث ربطت المسلمين بالعالم كله، بين تأييد أو بيعة أو مواجهة وكانت ثمرة عظيمة من ثمار الفتح المبين الذي حدثنا الله تعالى عنه والانتقال من الحرب الضروس على الأرض المحلية إلى تجاوب ملوك الأرض مع الإسلام هو نقلة واسعة بعيدة المدى هائلة الآفاق. وجاءت في وقتها المناسب بعد أن أعلنت قريش هدنتها لعشر سنين لتتيح لدولة الإسلام أن تأخذ أبعادها وجذورها في الأرض كالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.