للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمة الثامنة عشرة:

إلى الرفيق الأعلى بعد إتمام النعمة

ولا غرابة أن تكون وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سمات هذه المرحلة لأن الوفاة التي ارتبطت بقيام دولة الخلافة يعني أن هذا المنهج الحركي لم يكن خاصا بالنبوة بمقدار ما كان خاصا بالأمة. ولعل معيشة تلك اللحظات يعطي الحدود العامة لهذه السمة.

روى ابن إسحاق عن عائشة قالت:

رجع إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم حين دخل من المسجد، فاضطجع في حجري فدخل علي رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخضر فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه في يده نظرا عرفت أنه يريده، فقلت: يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك؟ قال: نعم قأخذته فمضغته له حتى لينته؛ ثم أعطيته إياه، قالت: فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط، ثم وضعه، ووجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثقل في حجري، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: بل الرفيق الأعلى في الجنة، فقلت: خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وفي رواية لها كذلك، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي.

وروى ابن إسحاق عن أبي هريرة قوله، لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توفي، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما مات، لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات. وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة، ورسول الله مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا ثم رد البرد على وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج وعمر يكلم الناس: فقال: على رسلك يا عمر، أنصت، فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>