وحين ووجهت بالأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألها عن الحديث فقالت:
(إني والله قد علمت أنكم سمعتم بهذا الحديث، فوقع في أنفسكم فصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم الله أني منه بريئة لتصدقنني. وإني والله ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
إنها مواقف لا يحمل التاريخ لها مثيلا من أطهر أهل الأرض يوصمون بشرفهم وعرضهم.
ومع ذلك فلم يخرج أحد منهم عن طورره، ولا أطلق لسانه في عرض أحد، وضبط كل واحد منهم أعصابه، وأما الذي خرج عن طوره فهو صفوان بن المعطل رضي الله عنه، وضرب حسان بالسيف وكاد الأمر أن يستفحل لولا أن عالجه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
إنه أدب الإسلام العظيم مع الذين يرددون الإشاعة ويسيرون في الإفك قبل أن تعرف أنها إفك أوإشاعة.
سادسا: والموقف الأخير الذي نستخلصه من حديث الإفك هو عقوبة المفترين اللاغطين المثيرين للفتنة. فلا يكفي أن تثبت براءة المتهم، ولا يكفي أن تدفع القيادة عنها قالة السوء وانتهى الأمر.
بل لا بد في الصف المسلم من العقوبة الصارمة مع من يثير الإشاعة ويسعى في نشرها بعد التثبت منها. وما تعانيه الحركة الإسلامية اليوم هو إهمال ملاحقة مثير الإشاعة وناقل الإفك، وبذلك لا تنتهي الجماعة من فتنة إلا وتقع في أخرى. ويكفي أن نعلم أن حكم الإسلام كان في هؤلاء الثلاثة الذين ساروا في الإفك، مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، أن أقيم عليهم حد القذف ثمانين جلدة، وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أن هذا الحد طبق فيما بعد ولم ينفذ عليهم لأنهم خاضوا في التهمة قبل نزول الحدود.
والحديث عن هذه السمة يأتي في هذه المرحلة لأن تاريخ الدعوة لم يشهد مثيلا لها من قبل وفي الصف المسلم بالذات وطبيعة المرحلة إذن هي أن الإشاعة تسري حين يضعف البناء الداخلي ويستجيب لها. لكن عندما تنشغل الأمة بالجهاد والمواجهة. فقلما تستطيع الإشاعة أن تفعل فعلها
في النفوس.
[السمة الثالثة: الزواج وأثره في الدعوة]
في هذه المرحلة تم زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خمس نساء هن:
زينب بنت جحش، أم حبيبة بنت أبي سفيان، جويرية بنت الحارث، صفية بنت حيي، ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنهن جميعا.