ولقد كان لمصرع حمزة رضي الله عنه في أحد أعظم الأثر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال عنه: لن أصاب بمثلك أبدا، وقال: ما وقفت موقفا قط أغيظ لي من هذا. وبقي من أقاربه الأدنين علي رضي الله عنه، وعندما برز لعمرو بن عبدود في الخندق يروى أنه قال عليه الصلاة والسلام: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، ويؤكد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن يكون أهله معه في المعركة. ما رأيناه في مؤتة إذ أنه في أقل من أشهر كان جعفر على رأس المجاهدين في مؤتة وأحد الأمراء الثلاثة.
وحاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المجاهدين من صحبه وأهله المهاجرين كانت حاجة ماسة ومع ذلك لم يستدعهم وتفسير ذلك والله أعلم - يعود إلى حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبقاء مراكز احتياطية للدعوة يمكن الانتقال إليها لو فقدت المدينة، وكان احتمال تعرض المدينة لهجوم مباغت كاسح قائما في كل لحظة. ومن أجل هذا بقي الأشعريون في اليمن، والدوسيون في دوس ومهاجروا الحبشة في الحبشة، والغفاريون في غفار بقي هؤلاء جميعا قوى احتياطية لمتابعة المعركة فيما لو فقد موقع من هذه المواقع.
ولا شك أن الحبشة هي موقع غير استراتيجي للمواجهة وبين الأبعدين الغرباء لكنها بصفتها مركزا آمنا وملجأ للدعوة هي من خير المواقع لذلك. خاصة وأن النجاشي ملكها قد أسلم سرا وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد صلح الحديبية، فقد اختلف الأمر، وزال الخطر عن المدينة، وأمن الناس، وأتاحت الهدنة للمحيط العربي والعالمي أن يفقه الإسلام في هذه المرحلة استدعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رصيده الاحتياطي. إذ لم يعد بحاجة إليه في اليمن أو الحبشة. بل صار بحاجة ماسة إليه ليشارك في الجبهات الجديدة المفتوحة خارج جزيرة العرب، ومع غير العرب من الروم والفرس.
وهذا درس مهم يحسن أن تقف أمامه الحركة الإسلامية طويلا، وهي تخوض حروبها مع الطغاة أن لا تكون قوتها جميعا في موقع واحد .. فإذا ضرب هذا الموقع انتهت - لا سمح الله - بل لا بد لها أن تبحث عن أكثر من مكان آمن، وأكثر من قاعدة احتياطية. فإذا تغيرت الظروف الصعبة وكشفت المحنة وصارت المواقع كلها آمنة ومراكز للدعوة تستطيع عندئذ أن تنهي بعض المراكز. أو تستقطب القوى حول المركز الرئيسي الذي يرفد كل المراكز الثانوية والتمكن في الأرض هو الذي يتيح المجال لمثل هذه الخطوة.
يقول الشهيد سيد رحمه الله:
ومن ثم كان بحث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة، وتكفل لها الحرية، ويتاح لها أن تخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في