للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قيمة الجندي المسلم عظيمة في الإسلام؛ وحين يكون المسلمون قادرين على حمايته فلا بد من ذلك أو الثأر له ولو اقتضى الأمر إشعال حرب كاملة من أجله، وما بيعة الرضون بسر، وما غزوة تبوك بسر، وما غزوة مؤتة بسر، وما سرية أسامة إلى تخوم الشام بسر إذ قامت هذه جميعا ثأرا من الغادرين الذين يقتلون الرسل ويستخفون بالأعراف الدبلوماسية حين يكون عدوهم مهيض الجناح حسب ما يتصورون. فالرسل لا تقتل في الأصل وما يقدم على ذلك الغادرون إلا تحديا لخصومهم في ذلك.

وسنعرض لغزوة تبوك في خطوط عريضة تتناسب مع طبيعة هذه السمة.

الخط الأول: التظاهرة الكبرى في تحرك ثلاثين ألفا من المسلمين: فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس، لبعد الشقة وشدة الزمان، وكثرة العدو، الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم (١).

(ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جد في سفره وأمر الناس بالجهاز، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا، وأنفق في ذلك عثمان بن عفان نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها) (٢).

(ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم البكاؤون وهم سبعة نفر من الأنصار فاستحملوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا أهل حاجة. فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) (٣).

(وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله تعالى) (٤)).

وكان الاتجاه الإسلامي أن لا يتخلف أحد عن المعركة، فقد كان عليه الصلاة والسلام بعد انطلاقه من المدينة كلما ذكر له تخلف أحد من أصحابه أو الخلص منهم كان يقول: إن يكن به خير فسيلحق بنا.

وجرى ذلك مع أبي ذر الغفاري وأبا خيثمة.

ويحدث كلثوم بن الحصين يقول: (فقلت: استنغفر لي يا رسول الله، فقال: سر فجعل رسول الله يسألني عمن تخلف من غفار فأخبرته، فقال: ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل


(١) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٥١٦.
(٢) و (٣) و (٤) المصدر نفسه ج ٤ ص ٥١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>