للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على بعير من إبله امرءا نشيطا في سبيل الله، إن أعز أهلي علي أن يتخلف عن المهاجرون والأنصار وغفار وأسلم) (١).

فلما رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية الوداع عقد الألوية والرايات فدفع لواء الأعظم إلى أبي بكر رضي الله عنه، ورايته العظمى إلى الزبير، وراية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجاذة، وأمر كل بطن من الأنصار، والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية وساروا معه ثلاثون ألفا، وعشرة ألاف فرس، واثنا عشر ألف بعير) (٢).

ولا شك أن هذه التظاهرة الضخمة سوف تكون حديث الركبان في جزيرة العرب، فقد ارتفع العدد ثلاثة أضعاف عما كان في فتح مكة. ولئن كانت العملية الفدائية الأولى إلى تخوم الروم ثلاثة آلاف في مؤتة فقد بلغت هذه الحملة عشرة أضعاف تلك، إنه لتطور ضخم ابتدأ في العام الأول للهجرة بثلاثين راكبا. وانتهت في العام التاسع للهجرة بثلاثين ألفا. وهذا يعني أن الجيش الإسلامي ارتفع خلال تسع سنوات ألف ضعف عما ابتدأ به.

الخط الثاني مسير الغزوة وعملياتها.

كما ذكرت فلم يكن في الحملة الضخمة مواجهة تذكر لأن عرب الشام سمعوا بضخامة الحملة فتفرقوا في البلاد، كما أن هرقل لم يكن بنيته مواجهة محمد رسول الله لما يعرفه عنه.

(وشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التقدم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر، فقال: لو أمرت به ما استشرتكم فيه! قالوا: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث الله لك في ذلك أمرا) (٣).

كما كلف رسول الله البطل المغوار خالد بن الوليد باختطاف أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في أربعمائة فارس، وكان أكيدر نصرانيا (فقال خالد يا رسول الله كيف لي به وهو وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير فقال: ستجده يصيد البقر فتأخذه وقال: فلا تقتله وائت به، فإن أبى فاقتلوه فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة وهو على سطح له من الحر، ومعه امرأته وقينة تغنيه وقد شرب فأقبلت البقر (٤) تحك بقرونها باب الحصن، فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت: ما رأيت كالليلة من اللحم، هل رأيت مثل


(١) السيرة لابن هشام ج ٤ ص ٥٢٩.
(٢) إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٤٥٠.
(٣) المصدر نفسه ج ١: ٤٥٠.
(٤) البر: بقر الوحش التي تصطاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>