للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا قط؟ قال: لا قالت: من يترك هذا؟ قال: لا أحد.

قال أكيدر والله ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة، ولقد كنت أضمر لها الخيل شهرا أو أكثر ثم أركب بالرجال وبالآلة فنزل فأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته، فخرجوا قباء حصنهم بمطاردهم وخيل خالد تنتظرهم لا يصهل منها فرس ولا يحرك فساعة فصل أخذته الخيل. واستلب خالد بن الوليد أخاه حسانا قباء ديباج نخوصا (١) بذهب فبعث به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمرو بن أمية فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال عليه السلام: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. ثم خرج خالد إلى المدينة ومعه أكيدر وأخوه فصالحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجزية وخلى سبيله وسبيل أخيه (٢)) وخاف أهل أيلة وتيماء فقدم يحنة بن رؤبة ومعه أهل جرباء وأذرح، فصالحهم عليه السلام وقطع عليهم الجزية) (٣).

وهذه هي العمليات الحربية والسياسية التي قام بها جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث تسارع الناس هناك لمصالحته، وذلك من خلال اختطاف أكيدر في عملية حربية ناجحة وأدت التظاهرة العسكرية والسياسية دورها في إرهاب الشمال العربي وكفه عن التفكير بالهجوم على المدينة مستندا إلى قوة الرومان العسكرية.

الخط الثالث: بروز المنافقين وتخطيطهم من جديد.

بعد أن صفي المنافقون تقريبا عند صلح الحديبية وبقي وجودهم لا يتعدى بضعة أفراد عاد المجتمع الإسلامي فأخذ أبعاده بعد الحديبية ثم بعد الفتح، فتضاعف الجيش الإسلامي عشرين ضعفا، وكثير ممن دخل هذا المجتمع كان دافعه الرغبة والرهبة، وكان عبد الله بن أبي لا يزال على قيد الحياة، فاستعاد بناء معسكره من جديد، ونظم صفوفه من خلال القاعدة الجديدة العريضة التي انضمت له وبرزت مخططات المنافقين بتوزيع المهام بين المدينة قبل النفير ومع الجيش وبعد العودة إليها.

أما دورهم قبل النفير فكان ينصب على تخذيل الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوتهم إلى الركون للدنيا {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة


(١) مخوصا بذهب: أن يجعل للثوب صفائح من ذهب على قدر عرض خوص النخل وفي صورته.
(٢) إمتاع الأسماع ج ١: ٤٦٣ - ٤٦٥.
(٣) المصدر نفسه ج ١: ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>