لقد استطاع جعفر رضي الله عنه أن يقدم الإسلام بصورة فريدة قلما نجد لها نظيرا في التاريخ. وذلك على أربعة خطوط عامة:
الخط الأول: وقد عرض فيه كل مساوىء الجاهلية وعوراتها وقذرها بحيث أصبح هذا الدين الذي يدين به وفد قريش تتقزز منه كل نفس بشرية. وكانت هذه الجولة الأولى التي هدم بها الركن الركين الذي يفيء إليه عمرو بن العاص وصاحبه.
ثم انتقل إلى الخط الثاني فعرض فيه في كلمات جامعة مانعة قواعد الإسلام العامة وأسسه التي تستهوي كل حصيف عاقل بله ملك حكيم مجرب محنك.
لقد كانت الفرصة مواتية لجعفر كي ينقلب داعية إلى هذا الدين، بعد أن كان الهدف سياسيا بحتا هو المحافظة على الوجود الإسلامي في الحبشة.
وبذلك كسب الجولة الثانية في تقريب نفس النجاشي إلى الإسلام.
ثم انتقل إلى الخط الثالث فعرض فيه الظلم الماحق الذي نزل بالمسلمين نتيجة تمسكهم بهذا الدين وأبرز وضع المسلمين في صورة قديسين وحواريين. تنزل بهم ضربات المجرمين الوثنيين وهذه الصورة ذات أثر ساحر في نفس النصارى الذين يعيشون مفهوم التضحية والفداء. بل حرروا دينهم إلى صور من المثالية والرهبانية التي ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، ما كتبها الله عليهم، وما رعوها حق رعايتها. وبذلك، كسب الجولة الثالثة في كسب قلب النجاشي بعد أن كسب عقله.
ويكاد الذي يسمع هذا الكلام يرى أن فوجا جديدا من الحواريين قد حشر بين يدي ملك الأحباش. كما أظهر في الوقت نفسه قريشا في هيئة الطاغية المتجبرة حتى لينفر الملك في قلبه منهم بعد أن نفر منهم في عقله.
ثم انتقل إلى الخط الرابع في الئناء الحصيف المتزن على الملك، الذي لا يحمل المبالغة الكاذبة ولا التجاهل المهين، بل وضعه في صورة الأمل والملاذ لهؤلاء المستضعفين. وبذلك كسب الجولة الرابعة، وجعل آخر حديثه يدور