للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم؛ وستجدون آخرين في رؤوسهم مفاحص (١) فاقلعوها بالسيوف. لا تقتلن إمرأة ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا، ولا تغرقن نخلا ولا تقلعن شجرا ولا تهدموا بيتا (٢).

قال ابن إسحاق: ثم خرج القوم وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم قال:

خلف السلام على امرىء ودعته ... في النخل خير مشجع وخليل

ثم مضوا حتى نزلوا معان فبلع الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم. وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره. فنمضي له. فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد صدق والله ابن رواحة، فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في حبسهم ذلك شعرا. ثم مضى الناس. حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له: قطبة بن قتادة. وعلى مسيرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية بن مالك. ثم التقى الناس واقتتلوا. فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شاط (٣) في رماح القوم. ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا ألحمه (٤) القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول


(١) المفحص: حيث تجثم القطا وتفرخ، والمقصود عشعشة الشيطان بالفي.
(٢) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٤٥، ٣٤٦.
(٣) شاط الرجل: إذا سال دمعه فهلك.
(٤) ألحمه القتال: نشب فيه فلم يجد مخلصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>