للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلا من المسلمين عقر (١) في الإسلام.

وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف. وكان في تلك الغزوة غزوة مؤته قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء. ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها

عليَّ إذ لاقيتها ضرابها

قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم: إن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء. ويقال: إن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين.

قال ابن إسحاق: (وبالسند السابق):

فلما قتل أخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها، وهو على فرس فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد، ثم قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه

أن أجلب الناس (٢) وشدوا الرنة (٣) ... ما لي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة من شنة (٤)

وقال أيضا:

يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد لقيت

وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت

يريد صاحبيه زيدا وجعفرا، ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق (٥) من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده ثم انتهس (٦) منه نهسة، ثم سمع الحطمة (٧) في ناحية الناس، فقال: وأنت في الدنيا! ثم ألقاه من يده ثم أخد سيفه فتقدم.


(١) عقرها: ضرب قوائمها وهي قائمة بالسيف.
(٢) أجلب الناس: صاحوا واجتمعوا.
(٣) الرنة: صوت ترجيع شبيه بالبكاء.
(٤) الشنة: السقاء البالي.
(٥) العرق: العظم الذي عليه بعض اللحم.
(٦) انتهس: أخذ منه بفمه يسيرا.
(٧) الحطمة: صوت ازدحام الناس وحطم بعضهم بعضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>