ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد. فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم (١)، ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف الناس.
وقد أورد ابن كثير روايات البخاري والنسائي والبيهقي حول نهاية الغزوة وبعض جزئياتها نسوقها لتستكمل صورة هذه المعركة.
وروى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبر فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.
وروى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤته زيد بن حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين من ضربة ورمية.
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول:
لقد دق في يدي يوم مؤته تسعة أسياف وصبرت في يدي صفحة يمانية.
قال الواقدي حدثني عبد الجبار بن عمارة بن غزية بن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فجاء الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت وحبب إليه الدنيا فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا، فمضى قدما حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله وقال: استغفروا له فقد دخل الجنة وهو شهيد، ولما قتل زيد أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكره إليه الموت ومناه الدنيا، فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين يمنيني الدنيا، ثم مضى قدما حتى استشهد فصل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة وهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضا فشق ذلك على الأنصار فقيل يا رسول الله: ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فتشجع واستشهد ودخل الجنة فسري عن قومه.