للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الواقدي حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال:

لما أخذ الراية خالد بن الوليد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الآن حمي الوطيس.

قال الواقدي وحدثني العطاف بن خالد قال: لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته، وميمنته ميسرته. وميسرته ميمنته فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين (١).

لقد كان قدر هذا الجيل أن يواجه أمم الأرض بهذا الدين وها نحن الآن أمام منعطف جديد في تاريخ دولة الإسلام هو الصدام المباشر مع الروم، ويحسن أن لا يغيب عن البال أن السبب لهذه المعركة هو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابة إلى عظيم بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، وكان عاملا على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر، فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه (٢).

فالمعركة إذن نتجت عن الدعوة. ومقتل فرد مسلم يعني عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حربا ضروسا مع المعتدين، ولعل هذا المعنى لا يغيب عن أذهان بعض الدعاة الذين يرون أن بالإمكان تجنب المعركة مع العدو إذا سالمناه وعرضنا عليه فكرنا فحسب.

إن الصدام مع أعداء الله أمر لا مفر منه. لكن تحديد وقت الصدام وإمكانيته يعود إلى قيادة الجماعة المسلمة. الفقه النبوي يعني أن مقتل جندي مسلم - وهو رسول إلى العدو - إشعال معركة ضارية وقد فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين:

الأولى: يوم الحديبية حين بلغه أن عثمان رضي الله عنه قد قتل، وأخذ البيعة من جيشه على الموت وهذه المرة الثانية. فلا بد إذن من توطين الحركة الإسلامية نفسها على المواجهة وهو تأكيد من جهة ثانية على الدرس السابق، على أهمية الفرد المسلم عند قيادته وأن الجيش كله مستعد أن يخوض معركة للثأر له.

لكن الملاحظ أن هذا الأمر مرتبط بإمكانيات الجماعة المسلمة على ذلك ففي حالات الضعف كان كل ما يملكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، أو يدفعهم إلى الذهاب إلى النجاشي الذي لا يظلم عنده أحد، حتى والمسلمون دولة، قد تكون الدولة المسلمة عاجزة عن الثأر لشهدائها فمأساة بئر معونة والتي ذهب ضحيتها سبعون من خيار المسلمين لم يتمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الثأر لهم إلا بعد لأي.

لكن المعنى الأساسي يبقى ثابتا في التحام الصف المسلم، وقيمة الجندي فيه - إنه


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢٤٥، ٢٤٦.
(٢) الرحيق المختوم ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>