للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأبي بصير: إذهب حيث شئت] (١).

فخرج حتى أتى العيص فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشام وعندما خرج لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فأكلها. وبلغ المسلمين ال>ين حبسوا بمكة خبره فتسللوا إليه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي كتب إليهم يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير: ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال وأخبرهم أنه بالساحل فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلما فكانوا بالعيص. وضيقوا على قريش، فلا يظفروق بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عير إلا اقتطعوها ومر بهم ركب يريدون الشام معهم ثمانون بعيرا فأخذوا ذلك وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير. فكان يصلي بهم، ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون. فغاظ قريشا صنيع أبي بصير وشق عليهم وكتبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه: فلا حاجة لنا بهم. فكتب - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بصير أن يقدم بأصحابه معه فجاءه الكتاب وهو يموت. فجعل يقرأه ومات وهو في يده فدفنوه. وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون ..).

(وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قد أسلمت بمكة، فكانت تخرج إلى بادية أهلها فتقيم أياما بناحية التنعيم ثم ترجع حتى أجمعت على المسير مهاجرة. فخرجت كأنها تريد البادية على عادتها فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها، فأركبها بعيره حتى أقدمها المدينة بعد ثمان ليال. فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة وتخوفت أن يردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما دخل على أم سلمة أعلمته فرحب بأم كلثوم وسهل فذكرت له هجرتها وأنها تخاف أن يردها فأنزل الله فيها آية الممتحنة .. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد من جاءه من الرجال ولا يرد من جاءه من النساء. وقدم أخواها من غد قدومها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط فقالا: يا محمد ف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه. فقال: قد نقض ذلك. فانصرنا إلى مكة فأخبروا قريشا فلم يبعثوا أحدا ورضوا بأن تحبس النساء) (٢).

إننا نشهد مبادىء حرب العصابات من خلال حادثة ابي بصير رضي الله عنه.

فلا بد لمن يفكر بهذه الحرب أن يكون ذا إرادة قوية وعزيمة فولاذية وتفكير أبي بصير بالهروب من سجن قريش، وتنفيذ ذلك والهجرة إلى المدينة يعني أنه يملك التصميم على المقاومة إنها النفسية الحية التي ترفض الذل وتأبى الهوان، وهذه هي نقطة الانطلاق الأولى في أية مقاومة مسلحة للطغاة في الأرض.


(١) إمتاع الأسماع ج ١. ٣٠٤.
(٢) إمتاع الأسماع ج ١: ٣٠٥ و٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>