ووضع المبايعون أيديهم على مقابض السيوف ليستلوها من أغمادها أمام هذا النداء قائلين: لئن شئت يا رسول الله لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا. الاستعداد للتو لتنفيذ بنود البيعة، بل أكثر من البنود، لأن يحموه عليه الصلاة والسلام وهو في مكة.
ويأتي الجواب النبوي العظيم: لم نؤمر بذلك ولكن ارفضوا إلى رحالكم. فكم الفرق بين معركة آنية يسقط بها هؤلاء السبعون شهداء استجابة لنزوة طارئة، وانفعال هائج، وبين المسؤولية عن كل قطرة دم تسقط دون تخطيط، وتسفح دون هدف. إن دم المسلم أشد عند الله تعالى حرمة من الكعبة المشرفة فكيف يسقط هذا الدم دون مقابل؟!.
لا بد من الإعداد للمعركة، ولما تحن المعركة بعد. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يحدد زمانها ومكانها، وواجب الجنود أن تكون أيديهم في كل لحظة على الزناد أو على العتاد. أما واجب القيادة فأضخم من ذلك بكثير، أن تدرس آلاف الاحتمالات الناجحة أو الفاشلة لخوض المعركة. لأن كل قطرة دم سوف تقف يوم القيامة على رأس هذه القيادة وتسألها؟ فيم أرقت؟ فماذا تحيب؟ فلئن كان واجب الجندية أن تكون يدها على الزناد في كل لحظة بطلب منها ذلك فأشد وجوبا عليها وألزم أن ترفع يدها عنه، وتمضي إلى رحلها دون اعتراض، ولكن ارفضوا إلى رحالكم.
ما أجلاه من درس؟! وما أروعها من عبرة؟!.
الاستعداد لقتال الحجيج كافة (لنميلن على أهل منى بأسيافنا). والإشارة الواحدة بالانصراف (ارفضوا إلى رحالكم). ويعود السبعون والنيف يتسللون كالقطا إلى أماكنهم التي انسحبوا منها في الهزيع الأول من الليل - ومن حولهم غارقون في نومهم، فيشاركونهم في الشخير، دون أن يدري بهم أحد حتى من تسللوا من فرشهم وكانوا نياما معهم.