الانفضاض، اكتشفها أحد الشياطين، وحيث جاء هذا الاكتشاف في اللحظة الأخيرة، ولم يكن يمكن إبلاع زعماء قريش سرا ليباغتوا المجتمعين، وهم في الشعب، قام ذلك الشيطان على مرتفع من الأرض وصاح بأنفذ صوت قط، يا أهل الأخاشب (الجباجب): هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا إزب العقبة، أما والله - صلى الله عليه وسلم -اعدو الله لأفرغن لك، ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم. وعند سماع صوت هذا الشيطان قال العباس بن نضلة، والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم، فرجعوا وناموا حتى أصبحوا (١)).
أين كان طواغيت الأرض من هذه البيعة الفريدة في تاريخ الأرض؟ أين كان مشركو المدينة والبيعة تتم على رؤوسهم؟. وأين كانت قريش والبيعة تريد أن تحطم طاغوتها وكبرياءها؟ وهي تحاد الله وتكذب رسوله؟ وأين كان الحجيج المشرك كله، والبيعة ستنتهي أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان؟ نقول هذا عن العدو القريب الذي كان وضع هؤلاء السبعين بالنسبة لهم كوضع اللقمة بين فكي الأسد. ولا نذكر ملوك الأرض الأبعدين كسرى وقيصر وحلفاءهما وعبيدهما، أين كان كل هؤلاء؟ كانوا يشخرون في نومهم، ويغطون في سباتهم، وعين الله تعالى تكلأ هذه العصبة المزمنة. والساهر الوحيد الذي كان يقضم أسنانه غيظا، ويعض أصابعه ندما هو الشيطان الرجيم، وانتظر حلفاءه في الأرض كلها، فلم يتحرك أحد على أخطر بيعة في الأرض، فما تمالك أن صرخ: يا أهل الأخاشب هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم، فالشيطان إذن ساهر ليمزق كل بيعة على الجهاد في سبيل الله، ولن ينثني بنفسه أو حلفائه عن هذه الحرب، فهذه مهمته، وقد قتلته عبقرية النبوة السياسية التي حققت كل هذه الانتصارات، والشرك غاف كالمقبور لا يدري ما يجري حوله. فهل لنا بمثل هذه العبقرية في تحركنا الجديد اليوم؟.