للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى (بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني جذيمة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب. فوطئوا بني جذيمة. فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد اسلموا. فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك: فكتفوا، ثم عرضهم على السيف. فقتل من قتل منهم. فلما انتهى الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد .. ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال؛ حتى إنه ليدي ميلغة (١) الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم أو مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يعلم ولا تعلمون. ففعل ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر: فقال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات. وقد قال بعض من يعذر خالدا إنه قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام.

قال ابن إسحاق: وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة: يا بني جذيمة ضاع الضرب، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه. قد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف فيما بلغني كلام في ذلك. فقال له عبد الرحمن بن عوف: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام. فقال: إنما ثأرت بأبيك، فقال له عبد الرحمن بن عوف: كذبت، قد قتلت قاتل أبي. ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مهلا يا خالد دع أصحابي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم انفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي أو روحته) (٢).

٥ - هدم اللات: فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة، في هدم الطاغية، فخرجا مع القوم، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال: أدخل أنت على قومك وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم فلما دخل المغيرة بن شعبة


(١) مبلغة الكلب: شيء يحفر من خشب ويجعل ليلغ فيه الكلب.
(٢) السيرة لابن إسحاق ج ٤ ص ٥٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>