ثم طلب الإجارة من المطعم بن عدي زعيم بن نوفل بن عبد مناف، وهم الفرع الثالث من بني عبد مناف، إذ الفروع الأربعة هي بنو هاشم وبنو عبد شمس وبنو المطلب وبنو نوفل. ويعلم المطعم بن عدي خطورة الإقدام على هذه المغامرة. فقد يعادي قريشا كلها من أجل هذه الإجارة، إذ أي اعتداء يقع على محمد - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن يرد هذا الاعتداء، ولو أدى الأمر إلى حرب بينه وبينهم.
ونعلم كذلك حرص المطعم بن عدي على ألفة قومه، حين لام أبا طالب لعدم قبوله تبادل محمد وعمارة بن الوليد، إذ قال له: والله - صلى الله عليه وسلم -اأبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل شيئا، فأجابه أبو طالب: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك.
والمطعم أمام هذا الموقف العصيب، وأمام معاداة قومه بالاستجابة لطلب محمد بن عبد الله أو التنصل من الإجارة كما تنصل غيره. فوقف موقفا مشرفا، حفظه له التاريخ حيث سلح بنيه جميعا وحضر بهم إلى الكعبة بالسلاح معلنا إجارة محمد بن عبد الله، حيث دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن حارثة فطافا بالكعبة بحماية السلاح. ومضى إلى بيته - صلى الله عليه وسلم - بحمايتهم كذلك، وكان هذا صفعة كبيرة لقريش، وتحديا لمشاعرها، لكنها لم تشا أن تخسر بني نوفل إلى الأبد إلى صف محمد كما خسرت بني المطلب وبني هاشم، فسكتت على مضض.
وحفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الصنيع للمطعم بن عدي. فقال في بدر وقد أسر من قريش سبعين من صناديدهم: لو كان المطعم بن عدي حيا لوهبت له هؤلاء النتنى. وكم نحن بحاجة إلى أن نفقه هذا المعنى في حركتنا الإسلامية المعاصرة.
إن المطعم بن عدي كافر لا يختلف في عقيدته أبدا عن بقية قريش.
وإن أبا جهل وأبا لهب كافران كذلك مثل المطعم بن عدي. لكن الفرق بين