تمالك مغروق أن قال: دعوت والله - صلى الله عليه وسلم - اأخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
فلقد صدق مغروق مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لا يستطيع أن يقطع في هذا الأمر، فأحال الأمر إلى شيخهم وصاحب دينهم هانىء بن قبيصة. ولعل هانئا لم يجرؤ على اتخاذ خطوة حاسمة في أمر الإسلام، أو أنه كان مقتنعا بدين الجاهلية أكثر من غيره، فتفلت من الأمر وأخله وسوف فيه، وتذرع بالحكمة دون العجلة، وبذلك انتهت الخطوة الأولى دون طائل.
وآلم مغروق هذا الموقف، وأحال هانىء الكلام على المثنى شيخهم وصاحب حربهم ولا شك أن المثنى من ظاهر حديثه يبدو أنه قد تأثر بموقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحاول أن يقطع فيما هو من اختصاصه، وقدم الصورة كاملة في مجال الحماية، ولخص الموقف بقوله: فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. وذلك بعد أن أشار إلى أن هذه الدعوة والرسالة مما يكرهها الملوك.
وكان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منتهى الحكمة والحصافة وبمنتهى الوضوح كذلك: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق. فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه. وبذلك انتهت المفاوضات دون تحالف؟ لأن بني شيبان قدموا الحماية حسب إمكاناتهم على العرب فقط. أما كسرى فلا، فلقد عاهدوه أن لا يحدثوا حدثا أو يؤوا محدثا، ولعل كسرى يغضب أشد الغضب لو علم بذلك، فهو أمر تكرهه الملوك.
إن الحماية المشروطة أو الجزئية لا تحقق الهدف المقصود، فلن يخوض بنو شيبان حربا ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله وتسليمه، ولن يخوضوا حربا ضد كسرى لو أراد مهاجمة محمد رسول الله وأتباعه، وبذلك فشلت المباحثات، وأحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو قلوب بني شيبان بأن حدثهم عن موعود الله بنصره، وأنهم وراث الأرض من دون المشركين إن هم آمنوا بالله ورسوله وسبحوه، وهذا هو الهدف الوحيد البعيد الذي تحقق ليبقى طريقا مفتوحا للقاءات القادمة: