الأوس والخزرج حتى فشا الإسلام في المدينة، فلم تبق دار من دور الأنصار اإلا وفيها ذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لعل هذه السنة التي مرت على الدعوة العام الحادي عشر للبعثة كانت أكثر بركة من الأعوام العشرة السابقة، ولعل انتشار الإسلام في هذه الأرض كان أكثر من انتشاره في مكة خلال الأعوام العشرة السابقة.
منعطف جديد في الدعوة بعد جهاد مضن "وصبر طويل" تحقق على يد هؤلاء النفر الستة حين وجد المناخ المناسب والجو الملائم للدعوة الجديدة.
ولم نسمع عن نشاط جديد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خلال العام في مقابلات مع القبائل الأخرى. بل تصمث أخبار السيرة خلال هذا العام إلى موسم العام القادم. ونفقه من هذا الانعطاف أن الأحوط والأقوى للدعوة هو الالتزام بمبادئها، بينما تبقى الحماية التي لا ترتبط بالمبادىء لا تحقق الهدف البعيد للتمكين في الأرض.
إن الخط الذي يفرق بين الطريقين خط ضئيل، قد لا يدركه الناظر العجول. فالمرحلة المكية عندما تملك الدعوة الحرية الكاملة فيها في ظل المبادىء الجاهلية، لا تصل إلى مرحلة الحكم بما أنزل الله، ومرحلة تطبيق المبادىء. أما إذا كانت الحيماية من أبناء الدعوة نفسها، فالطريق مهيئة لتنفيذ شرع الله عز وجل، والتمكين في الأرض. ونصل من هذه الملاحظة إلى أن الهدف البعيد وهو إقامة حكم الله في الأرض لن يتحقق في ظل حكم جاهلي، وفي ظل حماية جاهلية. كما تتصور بعض الحركات الإسلامية، إنما يتحقق ذلك من خلال جنود الدعوة.
ونقول أخيرا لا بد من أن نحدد المدى الذي نصل إليه من خلال التعامل مع العدو أو من خلال الالتزام والجندية لمبادىء الدعوة، وأن نعرف كيف نفرق بين الهدفين فلا نبني نتائج هدف على هدف آخر.