الأولى وكانوا اثني عشر رجلا، وقد خبرهم وخبر صدقهم وحسن ولائهم، ومع ذلك لم يفعل هذا عليه الصلاة والسلام، وكان تصرفه هذا درسا بليغا للمسلمين في الأرض عن كيفية اختيار الحاكم، وعن اعتبار رغبة الأمة أو أهل الرأي فيها هي الأساس الذي يقوم عليه الاختيار ولم يتدخل عليه الصلاة والسلام من قريب أو بعيد بهذا الاختيار، وما أحرانا أن نتعلم من هذا العمل النبوي قواعد الحكم الشوري، والتنفيذ العملي له.
٢ - والمسؤولية على قدر الصلاحية، فلقد حدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسؤولية لهؤلاء النقباء الأثنى عشر. بعد أن اعتبرهم القادة المسؤولين. وواجبهم أن يكونوا كفلاء على قومهم من المسلمين، الذين بايعوا في العقبة، والذين أقاموا في يثرب، هم مسؤولون عن تصرفاتهم وانضباطهم وطاعتهم، والتزامهم بأوامر هذا الدين الجديد، وبعدم الإخلال في أحكامه، وهم محاسبون أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخطاء القاعدة تحاسب عنها القيادة، طالما أن لها صلاحيات الحكم والتوجيه فيها.
٣ - وتبدو العظمة النبوية بأجلى صورها حين لم يعف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه من المسؤولية. بل أعلن التكافؤ فيها فقال:"وأنا كفيل على قومي".
فهم - وهم الجنود المؤمنون - من حقهم أن يناقشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أخطاء وتصرفات المسلمين في مكة. ولا يوجد إذن في الدنيا من هو فوق المساءلة والمحاسبة إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكفل بقومه من المسلمين.
٤ - وتظهر خطورة المسؤولية لهذه الحكومة المنتخبة حين نذكر أن حرب بعاث بين الأوس والخزرج لم تجف دماؤها بعد. فإمكانية اشتعال الحرب بينهم قائمة في كل لحظة. فلا بد أن تتمكن هذه الحكومة الائتلافية من الأوس والخزرج أن تضمن استقرار الأوضاع في المدينة، ومعالجة الأوضاع الصعبة فيها، والحيلولة دون اندلاع الحرب من جديد، ويبدو الأمر أشق وأعسر حين نتصور أنه لا بد من تكوين التحام كامل بين المسلمين أوسهم وخزرجهم، فليس المهم أن تخف البغضاء بينهم فقط، بل لا بد