التجمع الإسلامي الكبير الذي طغى في يثرب على كل التجمعات، وأصبح يمثل الكثرة الكبيرة فيها.
والحركة الإسلامية اليوم وهي تقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إنشاء دولتها لا بد أن تراعي هذه المعاني وتفقه دروسها، فحين انطلقت الحركة الإسلامية الحديثة في بعض فصائلها في جهادها لإقامة الدولة، لم يكن أمامها الخيار أن تجعل مرتكز تجمعها في الدولة المجاورة للطاغوت الكافر، واختيار غير هذه الدول المجاورة للتحرك والمواجهة والتدريب هو اختيار فاشل، لأن أي مكان غير هذه الدول يشل التحرك لمواجهة النظام شللا تاما. لكن العنصر الثاني من الميزة التي كانت في المدينة، قد تهيأ في بعض هذه الدول ولم يتهيأ في غيرها، وحتى وجود الإخوة الأنصار لا يجعل لهم السلطة في هذه الدول، إنما السلطة لغيرهم. فالاعتماد إذن على طبيعة النظام الحاكم في الدول المجاورة وتغير النظام في كل لحظة يهدد الوجود الإسلامي على هذه الأرض، ومن أجل هذا لا يمكن أن تكون هذه الأرض أكثر من نقطة ارتكاز وتجمع تسند من الحكام المؤيدين لها. والمرتكز الأصلي هو مكان انطلاق الحركة نفسها حيث توجد القوى الكامنة للمواجهة والمؤهلة للمساندة. فالهجرة خارج مكان المواجهة الأصل فيها، أنها هجرة مؤقتة بينما نجد الهجرة إلى المدينة هجرة ثابتة حيث تكون المدينة نفسها موطن إقامة الدولة.
والحركة الإسلامية عموما حين تبحث عن الأرض ليست دائما تملك الحرية التي تريدها للاختيار. فقد تضطرها الظروف إلى مكان غير مناسب تماما. ولا بد لها من قبوله ريثما تجد المكان الأفضل. لقد بقيت الحبشة مأمنا للمسلمين فترة طويلة حتى بعد وجود يثرب ولكنها لم تكن مركزا لإقامة الدولة. وحين أتيحت الظروف في المدينة، كانت بتوفيق رباني أن قبل وفد الحجيج اليثربي الإسلام، فلو فشلت المفاوضات مثلا في الإسلام أو الحماية، أو نجحت محادثات شيبان أو كندة، لكان الموقع متغيرا حسب المعطيات القائمة.
وأدى هذا إلى رحيل عائلات بأكملها، فقبيلة بني غنم رحل أربعة عشر