حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمان فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (ورجع سراقة فجد في الطلب فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر، قد كفيتم ما ها هنا وكان أول النهار جاهدا عليهما، وآخره حارسا لهما (١)). والحرص على تعدد الروايات هو لاستكمال الصورة. فما لقيه سراقة من انسياخ قدمي فرسه ومن تعثرها وانكبابها على منخريها - كما ثبت في الروايات الصحيحة - جعله يغير خطته. ومن أجل ذلك فلم يقاتل ولم يقتل، بل تم الاطمئنان إليه. بأن أتم بقية الخطة في التعمية، وصرف الناس عن متابعة الطلب في هذا الطريق. والملاحظ أن سراقة لم يسلم وبقي على شركه. وكل ما وقع عنده هو قناعته بأن الرجل ممنوع وأن النصر حليفه لا محالة، ورضي أن يذود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر اليوم ويبعد الناس عن ملاحقته في هذا الطريق.
والدرس المهم لنا من هذه الحادثة، ونحن في الحركة الإسلامية نعمل لإعادة الحياة الإسلامية إلى الأرض. هو أن نملك القدرة على تحديد الصديق من العدو وذلك في صفوف الكفار أنفسهم وبإمكان الحركة الإسلامية أن تأخذ من قلب أعدائها من تصبح القناعة عنده بانتصارها ليتعامل معها ويناصرها، ويبقى تقدير الأمر لقيادة الجماعة من خلال تعاملها مع هذا الخصم. إن المنطق الظاهري يقتضي قتل سراقة بن مالك لأنه قد يدل عليهما. وهو لم يسلم بعد، لكن تقدير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشخصه أنه صادق الولاء لهما، وأنه تخلى عن عدائه لهذه الحركة أمام هذه المعجزات.
والنقطة الثانية التي تستفيدها الحركة كذلك هو أن لا يكون الحكم على الرجل أو الفئة من خلال الماضي القريب أو البعيد في عدائهم للإسلام. فمناط الأمر هو الثقة بتغير هذه الفئة أو هذا الرجل مهما كان ماضيه في