عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد - صلى الله عليه وسلم - (١)).
فلقد أصبح المهاجرون والأنصار أمة واحدة من دون الناس، أما كتلة المهاجرين فكلها تجمع واحد، أما كتلة الأنصار فموزعة على تجمعات قبائلها وعشائرها، ولقد تحددت مسؤولية كل فريق على حدة أمام الله تعالى وأمام رسوله وأمام إخوانه المؤمنين. وحيث إن المهاجرين جميعا كتلة واحدة ليس تجمعهم على أساس الانتماء القبلي، فكان لا بد من الخط الثاني، خط المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم ليحمل قويهم ضعيفهم، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ذاته الشريفة وبين علي بن أبي طالب ابن عمه الذي جاءه حافي القدمين بعد تأدية أماناته إلى الكفار في مكة. كما آخى عليه الصلاة والسلام بين حمزة بن عبد المطلب عمه، وبين زيد بن حارثة مولاه، دون تمييز لنسبهما بل كان الدافع هو التقوى. وكان الخط الثالث هو المؤاخاة بين أفراد المهاجرين والأنصار على حد التعبير النبوي: تآخوا في الله أخوين أخوين.
وذلك ليتم التكافل المباشر بينهما، فالأنصار أهل ضرع وزرع، والمهاجرون أهل تجارة. فكان الأنصاري يعرض على أخيه المهاجر أن يقاسمه ماله وبيته وزرعه. فقد روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عبد الرحمن (بن عوف) وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع.
ويقول ابن القيم: ثم آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام،