للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم). كان هذا بالنسبة لأهل يثرب وزعيمها، أما بالنسبة للمهاجرين فقد كتبت إليهم تقول: (لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم (١)).

ولم يكن هذا غريبا على منهج قريش، فهي التي قررت اغتيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملأ منها، وخفتت الأصوات التي كانت تدعو لحمايته، ولم يكن لديها الجرأة لمواجهة التيار العنيف ضده وضد أصحابه، كما أن قريشا منعث بالقوة هجرة من استطاعت منعهم عندما رأت تسرب المسلمين إلى يثرب، ولم تكتف بذلك، بل بعثث وراء بعض المهاجرين فاستعادتهم مثل عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وغيرهم. فمنطق الحرب لدى قريش يعطينا تصورا عن منطق الجاهلية في حربها ضد الإسلام والمسلمين. إنها لن تدع المسلمين يستقرون في الأرض، ولن تترك لهم أمانا في أي موقع، أو تدع لهم أن يحتلوا أي موقع. لأنها تعرف أن قوة الإسلام لا بد أن تكتسحهم.

والحركة الإسلامية بحاجة أن يستقر في ذهنها هذا المعنى، فلا تركن إلى الدعة إن ابتعدت عن موطن الصراع، أو تحسب أن المعركة قد انتهت مع الجاهلية إن أفلتت من أيديها. وواقع الحركة الإسلامية اليوم يؤكد هذا المعنى، فعندما تجمع الدعاة في قطر مجاور للطاغوت لم يتورع أن يتجاوز الحدود، ويغتال من يستطيع اغتيالهم أو يحاول ذلك، بل لجأ في بعض الظروف إلى حشد فرق كاملة على حدود هذا القطر ليحاربه، والعالم كله يحارب الأقطار التي تؤي شباب الحركة الإسلامية أو تهيء لهم التدريب والتحرك.

إنه لا خيار لنا في المعركة، وهذا ما أكدته قريش لابن أبي أولا ثم للمسلمين المهاجرين ثانيا. تطالب فيه قيادة المدينة أن تطرد المؤمنين منها، أو تقتلهم فيها، كما تؤكد أن الاستئصال التام هو الحل الوحيد لديها في مواجهة المسلمين.


(١) أبو داود، باب خبر بني النضير.

<<  <  ج: ص:  >  >>