وروى الترمذي في صحيحه عن عائشة قولها:(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرس ليلا حتى نزل:{والله - صلى الله عليه وسلم -عصمك من الناس} فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من القبة فقال يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل (١)).
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدرك أبعاد المعركة ويدرك خطورة الموقف فلا يبيت إلا ساهرا، وكان يعلم أنه الهدف الأول من العدو. فكان على يقظة وانتباه وحذر شديد. وخاصة في الليل حيث يختلط الظلام ويتسلل القتال لتنفيذ بغيتهم التي فاتتهم في مكة، بل أعلن عن رغبته في الحراسة، وكان هذا الشعور كامنا في نفوس الجنود كذلك، فسعد يده على سلاحه بدون أمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلمه بخطورة الموقف وصار هذا أمرا مقررا عند المسلمين إلى أن نزل التطمين الرباني، {والله - صلى الله عليه وسلم -عصمك من الناس}، فقال:(انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل).
وهذا الأمر ولا شك خصوصية من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم -. فما دونه من خلق الله كافة، لا بد من حراسة ولا بد أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارىء. وهم في مستوى القيادة خاصة حين يكون العدو بين الصفوف. فاليهود والمشركون يمكن أن يكون أحدهم مطية لنفسه أو لغيره في تنفيذ عمليات الاغتيال، والحركة الإسلامية التي فقدت كثيرا من قياداتها وقادتها عن طريق الاغتيال حري بها، اقتداء بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ من حراسة قادتها ما يجعلهم بمنجى من يد العدو. والعصمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده. ويجب أن لا ننسى أن ثلاثة من الخلفاء الراشدين، من قادة أهل الأرض قد ذهبوا غيلة، وهم قمم العدل والتقوى في هذا الوجود، عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا. فإن يعتمد القادة في الحركة الإسلامية على عدلهم وصلاحهم وتقواهم هو أدعى للحراسة. لأن العدو لا يطيق وجودهم. بل قد يتحرك الصف الإسلامي ضدهم فيقتلون بيدي أبناء الصف، وما قتل علي وعثمان رضي الله عنها بسر.