للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكر قاسم بن ثابث في - كتاب الدلائل - أن قريشا حين توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه:

أزار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا

أبادت رجالا من لؤي وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا

فيا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا (١)

ولقد أدرك المؤمنون من الجن أبعاد هذه المعركة وأنها ستطيح بعرش كسرى وقيصر. وبمقدار ما كان العرس في عالم الجن من المؤمنين بمقدار ما كان المأتم والويل والثبور عند كفار الجن وشياطينهم.

فلقد حدثنا مؤرخو السير عن اشتراك ابليس لعنه الله في التخطيط لبدر وفي آماله العراض بهزيمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكيف كان دوره في دفع قريش دفعا إلى المواجهة حين خافت من أن تغزوها بنو كنانة. فجاءهم على صورة سراقة بن مالك قائلا: أنا جار لكم من بني كنانة أن يأتوكم بشيء تكرهونه، وجاء حليفا لقريش ووضع يده بيد أبي جهل. وأخيه الحارث بن هشام. فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام. وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربا، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.

وذكر القرآن الكريم هذا الحادث في قوله عز وجل، {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب (٢)}.


(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ص ٧٢.
(٢) الأنفال، الآية ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>