للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك، لرجوت أن يجيبوهم، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال أبو براء: أنا لهم جار، فبعث معه أربعين رجلا في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، وأمر عليهم المنذر بن عمرو - وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم، فساروا يحتطبون النهار يشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن، ويصلون بالليل حتى نزلوا بئر معونة .. ثم بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلا فطعنه بالحربة من خلفه. فلما أنفذها فيه ورأى الدم قال حرام: فزت ورب الكعبة.

ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته عصية ورعل وذكوان فجاؤوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار فإنه ارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق ... ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حاملا معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين. تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد، إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح، وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة ... وقد تألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل هذه المأساة، ولأجل مأساة الرجيع اللتين وقعتا خلال أيام معدودة تألما شديدا، وتغلب عليه الحزن والقلق (١) حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه (٢)).

و- غدر بني النضير:

قد أسلفنا أن اليهود كانوا يتخرقون على الإسلام والمسلمين .. ولكنهم بعد وقعة أحد تجرؤوا فكاشفوا بالعداوة والغدر، وأخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سرا، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين. وصبر


(١) ذكر الواقدي أن خبر أصحاب الرجيع وخبر أصحاب بئر معونة أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة.
(٢) كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة ٤ من الهجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>