ويدل على مدى كفاءته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع أبويه لأحد غير سعد. وأما طلحة بن عبيد الله فقد روى النسائي عن جابر قصة تجمع المشركين حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار، قال جابر: فأدرك المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، ثم ذكر جابر تقدم الأنصار وقتلهم واحدا بعد واحد بنحو ما ذكرنا من رواية مسلم فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة، قال جابر: ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حسن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، قال: ثم رد الله المشركين، ووقع عند الحاكم في الإكليل أنه جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت إصبعه، أي السبابة والتي تليها.
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. وروى الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه يومئذ:(من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله). وروى أبو داود الطيالسي عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وقال فيه أبو بكر أيضا:
يا طلحة بن عبيد الله قد وجبت ... لك الجنان وبوئت المها العينا
وفي ذلك الظرف الدقيق والساعة الحرجة أنزل الله نصره بالغيب ففي الصحيحين عن سعد، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان معه (١) عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، وفي رواية يعني جبريل وميكائيل.
بداية تجمع الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وقعت هذه كلها بسرعة هائلة في لحظات خاطفة وإلا فالمصطفون الأخيار من صحابته - صلى الله عليه وسلم - - الذين كانوا في مقدمة صفوف المسلمين عند القتال - لم يكادوا يرون تطور الموقف أو يسمعون صوته - صلى الله عليه وسلم - حتى أسرعوا إليه لئلا يصل إليه شيء يكرهونه .. إلا أنهم وصلوا
(١) كان هذا في اللحظة التي سقط فيها طلحة جريحا، ولم يبق حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قرشي واحد هو سعد بن أبي وقاص راوي الحديث.