وكل واحدة كانت كفيلة لأن تشعل حربا لا يهدأ أوراها بين المجتمعين.
ولو كانت القضية ذات منطلق سياسي. لكان آخر ما يجب طرحه هو هاتان القضيتان تجنب المواجهة مع قريش. وفي الساحة عناصر كثيرة مشتركة يمكن أن تجمع بين محمد - صلى الله عليه وسلم - وقريش من محولات التحرير، والتخلص من الطغيان الفارسي والرومي، وتقديس البيت، وبناء التجارة، وإصلاح ذات البين العربي، ووحدة هذا الصف تحت قيادة واحدة. إن أكبر ما صدم به - الملأ - من قريش وغيرها، حسب التعبير القرآني، هو هاتان القصيتان:
أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يعتقدوا بأن مواليهم وعبيدهم من الممكن أن يكونوا خيرا منهم. وحتى نعرف مدى تغلغل هذه العقيدة في نفوسهم، ومدى تأصل العصبية الجاهلية في قلوبهم نقفز عشرين عاما إلى الأمام إلى فتح مكة. ونشهد بلالا الحبشي - رضي الله عنه - يصعد على ظهر الكعبة، ويعلن كلمة التوحيد فيها. فماذا يكون الموقف، وقد تحطمت كل المقاومة المكية.
تقول جويرية بنت أبي جهل - ولعلها قد دخلت في الإسلام - منذ ساعات:
قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا. ولقد كان جاء أبي الذي جاء محمدا من النبوة فردها وكره خلاف قومه.
وقال خالد بن أسيد:
الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع هذا اليوم؟
وقال الحارث بن هشام:
واثكلاه! ليتني مت قبل هذا اليوم! قبل أن أسمع بلالا ينهق فوف الكعبة. وقال الحكم بن أبي العاص: