بنت جحش فقد أورد المقريزي عن زينب هذا الحوار بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قالت: (حاشى سمعي وبصري، ما علمت عليها إلا خيرا. والله ما أكلمها وإني لمهاجرتها وما كنت أقول إلا الحق)(١).
وأن تستطيع ضرة أن تكتم هواها فلا تمضي في الإشاعة يدل على المستوى العظيم الذي بلغته هذه المرأة المسلمة والأفق العالي الذي ارتقت عليه. وهذا ما دعا عائشة رضي الله عنها أن تبرىء ساحة زينب من ولوغها في هذه الفرية.
تقول رضي الله عنها، (ما كان أحد يساميني عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا زينب بنت جحش) فقد وضعتها في موقعها الصحيح من طبيعة المنافسة مع عائشة رضي الله عنهما، لكنها مع ذلك لم تجد حرجا من الثناء عليها في هذا الموقف فقالت:
(أما زينب فقد عصمها الله بدينها فلم تقل شيئا).
أما الموقف الثاني، فهو موقف أختها حمنة, التي انطلقت في الإشاعة تنقلها من بيت إلى بيت، ولا شيء يقف في وجهها، وذلك ثأرا لأختها زينب. تقول عائشة رضي الله عنها:
(أما أختها حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادني لأختها فهلكت).
ولا نتمالك من الإعجاب العظيم بعائشة رضي الله عنها، إذ استطاعت أن تفصل بين الموقفين للأختين الشقيقتين. ولم تحمل زينب شيئا من وزر أختها حمنة. خامسا: موقف المفترى عليه، هو أثقل الأدوار وأضخمها في حديث الإفك.
والمنهج الذي يجب أن يسود في هذا الصدد هو أن لا يقابل الافتراء بافتراء آخر ولا تقابل الإشاعة المؤتفكة بإشاعة أخرى. وأن يتمالك الأخ المفترى عليه فلا يطلق لسانه في أعراض الآخرين ولو اعتدي عليه حتى تتم براءته وتبرئته. هو موقف أصيل ندعو إليه هذا الأخ في هذا المجال. ونلحط موطن القدوة من العناصر الثلاثة الذين نيل من عرضهم في حديث الإفك.
أولهم: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو سيد الأمة والبشرية. وهو الحاكم والقائد، وبيده السلطة، وبإشارة واحدة منه يمكنه أن ينهي حياة الوالغين في عرضه ; ومع ذلك لم يملك في هذا الأمر بعد أن استشار كبار أصحابه إلا أن يخطب في المسلمين قائلا على المنبر بعد أن حمد الله وأثى عليه أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهل ويقولون عليهم