ميمونة بنت الحارث الهلالية: وهي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد حرص عليه الصلاة والسلام أن يستثمر هذا الزواج في تقريب قلوب قريش بعد عمرة القضاء إذ قال لهم عندما جاؤوا لإيذانه بالخروج من مكة:
(وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعت طعاما؟ فقالا: لا حاجة لنا في طعامك أخرج عنا: ننشدك الله والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا)(١).
وهذه السمة ذات دلالة واضحة على الاتجاه العام في تأليف قلوب الخصوم وتقريبهم للإسلام وأن الجهاد السياسي قد يكون من وسائله الناجعة الزواج والمصاهرة من الخصوم.
وما أحوج شباب الإسلام إلى هذا الفقه السياسي والأفق الواسع في فهم طبيعة هذا الدين إن الشباب المسلم كثيرا ما يتحمس في قضية التميز والمفاصلة. حتى يتحجر على نفسه، وينغلق على ذاته، ويجعل سدا منيعا على أفراده، فلا يدخل في الصف الإسلامي أحد ولا يحرص على دخولهم في الأصل، وتسيطر عليه فكرة الحرب والكراهة لأعداء الله، وفكرة الإذلال والإهانة لهم، وينسى أنه داعية قبل كل شيء وأن هدفه الأخير كذلك أن يدخل الناس في دين الله أفواجا وبالتالي فلا بد أن يدرك الداعية أن هداية هؤلاء الخصوم ودخولهم في الإسلام هو الهدف الأول، وليس ذبحهم والقضاء عليهم، وأن تآلف كبار الخصوم وربح قلوبهم هو ربح لقلوب أتباعهم جميعا ونتمنى أن يفرق الأخ بين أساليب التأليف والتحبيب بالإسلام وبين أساليب المداهنة في دين الله والتنازل عن الإسلام في سبيل ذلك.
وشيء آخر ما أحوج دعاة الإسلام إليه. فالزواج نفسه قد مسخ عن مفهومه الأول واقترب في الواقع العملي وفي صفوف شباب الإسلام من الزواج الكهنوتي النصراني، حيث أن التعدد قد أصبح نشازا في الصف الإسلامي، وأصبح غريبا غربة اقتراف المنكر. وقادة الدعوة هم المثل المقتدى به في هذه الدعوة فلا بد أن يكونوا نماذج حية في تطبيق هذا الفهم النبوي في جعل الزواج والتعدد وسيلة من وسائل بناء الدعوة وتقريب القلوب والالتحام مع الخصوم والأصدقاء وما رأيناه من إقدام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزواج من زينب وتحطيم عادة التبني من خلال الزواج بمطلقة متبناه وما تحمله من مواجهة المجتمع الجاهلي الذي يحرم هذا الزواج حتى يزيل الحرج عمليا عن المؤمنين في الإقدام على هذا الزواج هو دفع للدعاة الكبار أن يتأسوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينقلوا قضية الزواج من مفهومها المحدود حيث البحث عن الجمال والبكر والسن الصغير للارتقاء بها إلى الأفق الواسع الذي يشيع المودة والرحمة