واضح متميز أن يقفوا على الحياد بينه وبين العرب، ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بذلك، إنما أوضح أبعاد هذا الموقف بأنه لصالح قريش سواء انتصر محمد عليه الصلاة والسلام أم لم ينتصر. وفي هذا كبح لجماح التهور القرشي من الاستمرار في المعركة. وفتح لآفاق الدعوة أن تخطو الطريق الذي سدته قريش من كل جانب. إنه السلام القائم على مصلحة قريش ذاتها قبل أن يكون مصلحة المسلمين.
إلا أن هذا الكلام يعني من طرف آخر خفي أن وهنا قد حل بالمسلمين فراحوا يبحثون عن الحل السلمي للابتعاد عن المواجهة فكان لا بد من اسماعهم منطق القوة الذي يفهمون فيه.
وهو:
(فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة) إنه المنطق المتوازن الذي لا يريد الحرب للحرب إنما لإظهار هذا الدين وإعلانه وهو جاهز لأن يتفهم وجهة نطر الخصم، غير أن هذا المنطق لا يعني خللا في القوة أو وهنا في الصف ونحن نرى الصف القوي هنا كذلك بعد إعلان النبي - صلى الله عليه وسلم - عن استعداده لخوض المعركة دون أن يعترض جندي واحد على ذلك، في الوقت الذي خرج الجيش فيه للعمرة لا للقتال.
ثالثا: والتحام الصف الإسلامي مع قيادته يبدو جليا كذلك في أثناء عرض عضلات قريش من قادة وفودها وذلك على أربعة نمانج.
النموذج الأول: وهو بديل بن ورقاء الخزاعي. وهو أقرب ما يكون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما بين خزاعة ومحمد من ود. واعتبرت قريش أن هذا الرجل كفيل بأن يثني محمدا عن عزمه على دخول مكة.
فأخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه لا يريد حربا. وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما له واسرع بديل ليقول لقريش: إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا لهذا البيت. فقالت قريش لهم: وإن كان جاء لا يريد قتالا. فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب.
النموذج الثاني: مكرز بن حفص حيث حدد عليه الصلاة والسلام طبيعته. قائلا: هذا رجل غادر وقال له مثل ما قال لبديل. وكان الأمر حتى الآن طبيعيا لا يثير حفيظة هذا الجيش القوي.