لأن سفارته لن تحقق الهدفا المطلوب منها ومن أجل ذلك قال:
يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي. وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان. وقبل رأي ابن الخطاب دون تردد. فليس هو محل تهمة أو ظنة. لكن لكل أمر رجاله.
وعثمان للسفارة خير من عمر، مع العلم أن السفارة في الجاهلية كانت عند بني عدي، غير أن مكة اليوم يتقاسم النفوذ فيها بنو مخزوم وبنو أمية، ومن أجل ذلك وجد عثمان رضي الله عنه من يحميه حتى يؤدي رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لعثمان كذلك مهمة سرية أخرى هي الاتصال بالمؤمنين في مكة ودعوتهم إلى الصبر والثبات حتى يأذن الله تعالى بالفتح من عنده. ولما فرغ من تأدية رسالته عرضوا عليه أن يطوف بالبيت. فأبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله.
وكان هذا درسا بليغا في الالتزام حتى ولو كان طواف الكعبة الذي يحلم به المسلم منذ سنين خلت، لكنه لم ينفذ أمرا حتى يرجع إلى قيادته فيسألها. وامتنع عن الطواف قبل طواف النبي عليه الصلاة والسلام.
وحين يلتزم الجندي بأمر قائده عند الأعداء رغم الإحراجات الكثيرة من عشيرته. فهذا يعني أن الولاء لن يكون إلا لله ورسوله. لكن هذا الولاء لم يمنع من قبول حماية أبان بن العاص أحد قادة بني أمية، وما أحوجنا إلى أن نفرق بين القضيتين. لأن الأولى لا علاقة لها بطبيعة المهمة، وتتم المهمة بدونها أما الثانية فهي صلب مهمة عثمان رضي الله عنه. فلم يجد حرجا أو إثما بقبول إجارة أبان بن سعيد.
وننتقل إلى المعسكر الإسلامي وقد بلغه إشاعة مقتل عثمان رضي الله عنه. وكان لهذه الإشاعة وقع البارود المتفجر فيه. فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أعز معقل من معاقل الأنصار إلى منازل بني مازن بن النجار، وأخبرهم بأمر البيعة.
(فأقبل الناس عليه حتى تداكوا فما بقى متاع إلا وطئوه، ثم لبسوا السلاح، وهو معهم قليل ..).
يقول ابن إسحاق:(فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة. فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت .. وكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر).
وإنه لمن أغرب ما روى التاريخ من ولاء والتزام ونصرة. لقد خرج القوم للعمرة، وألحوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحملوا السلاح. فرفض ذلك وقال: لست أحمل السلاح إنما خرجت معتمرا. وساهم في هذا الرأي قادة المهاجرين والأنصار. ومع ذلك فها هو يدعوهم إلى المواجهة