للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو نفرغ يا أبا بكر ثم نرده إليها، قال: ذلك إن شئتما.

ومر بجارية بني مؤمل، وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها - فابتاعها أبو بكر فأعتقها - قال أبو قحافة لأبي بكر: يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل. وكان هذا التكامل الاجتماعي بين أفراد التجمع الإسلامي قمة من قمم المواساة الإنسانية. فلقد رفع الإسلام كرامة هؤلاء العبيد. بعد أن كانوا متاعا من المتاع. بل كان المتاع أكرم منهم. والبهيمة أشد إكراما منهم. جاء الإسلام فرد عليهم إنسانيتهم وآدميتهم، وأصبحوا بالإسلام أصحاب عقيدة وفكرة. يناقشون بها، وينافحون عنها، ويجاهدون في سبيلها، ويتعذبون من أجلها، وكان إقدام أبي بكر رضي الله عنه على شرائهم ثم إعتاقهم دليلا على عظمة هذا الدين ومدى تغلغله في نفسية الصديق رضوان الله عليه.

لقد أحس العبيد والموالي من أبناء هذا الدين الجديد أنهم أسرة واحدة وبيت واحد. يحمل غنيهم فقيرهم، ويؤثر سيدهم عبدهم. فحق له رضي الله عنه أن يأتيه الئناء من فوق سبع سموات. {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى (١)}.

وما أحوج الحركة الإسلامية اليوم إلى أن تحيا هذا الواقع الأرفع، وتعيش هذه المشاعر السامية. ويكون أبناؤها من التعايش والتلاحم والتعاضد حيث يحس المسلم أنه ابن لهذه الأسرة. هي أكبر عنده من أبيه وأمه وأخيه وأخته وزوجه .. وما نشهذه اليوم من التكافل بين المجاهدين الإسلاميين والموسرين في الحركة الإسلامية الواحدة، وحمل الأرامل والثكالى والمشردين، وأزواج المعتقلين، وعائلاتهم لتعيد لنا هذه الصورة الصديقية الأولى. وما تقدم عليه النسوة وهن يتبرعن بحليهن وأموالهن لغوث المنكوبين والمنكوبات


(١) سورة الليل الآية ١٧ - ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>