والصلة المستمرة بالقواعد، والتوعية التربوية والسياسية التي تشير إلى دور المغامرين والمقامرين بمصير الجماعة، دون أن تتحول القضية إلى حرب شخصية أو صراعات فردية هي صمام الأمان لسلامة خط الجماعة، وحسن سيرها إلى الهدف الذي تسعى إليه وجهاز الأمن القوي للجماعة الذي يكشف كل المحاولات الخبيثة لتهديم الصف المسلم هو ضرورة ماسة في كل حركة إسلامية ويبقى المحور الإسلامي في هذا المجال هو عزل قادة النفاق أو المشاقين للجماعة المستغلين لها، دون أن يبقى معهم مفرر واحد.
الخط الرابع: المخلفين (١) الثلاثة وموقف المجتمع الإسلامي منهم.
ورغم أن الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم هم واحد من عشرة آلاف بالقياس إلى الجيش المسلم لكن أثر موقفهم في المجتمع الإسلامي لم يكن أقل من خط منهجي للحركة تقتفي أثاره.
فقد تخلفوا عن المعركة دون عذر، وصدقوا الله ورسوله وقال لهم عليه الصلاة والسلام:(أما هذا فقد صدق، فقم حتى يحكم الله فيك).
وكان التوجيه الرباني بالنسبة لهؤلاء الثلاثة هو مقاطعتهم من المسلمين (ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة) وكانت محنة من الطرف الآخر لهذا الصف، ومدى استجابته للموقف الحازم من المخالفين من جنوده، وثبتت قوة الصف والتحامه في المفاصلة مع هؤلاء الثلاثة في أروع ما يحمل تاريخ الدعوات من صور لدرجة أنهم يسلمون فلا يرد عليهم السلام، ولكن أعظم ما في هذه المفاصلة ولا شك هو الأمر الأخير لزوجاتهم بمقاطعتهم، وقد نجحت حتى هذه الخطوة وتحقق العزل الكامل لهم في صورة لم يشهد التاريخ مثيلا لها: وما أظنه يشهد (فأقمنا على ذلك أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله يأتيني فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك قال قلت أطلقها أم ماذا؟ قال لا بل اعتزلها ولا تقربها).
وتبلغ أهمية هذا الموضوع وخطره على الصف الإسلامي أن بلغ أعداء الإسلام في الشام حتى بعثوا يتصلون بكعب بن مالك أحد الثلاثة والشاعر الإسلامي المشهور يعرضون عليه الإنضمام إليهم إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك قال فجعل الناس يشيرون إلي حتى إذا جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان وكتب كتابا في سرقة من حرير فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك قال: قلت: حين قرأتها؛ وهذا من البلاء أيضا قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع بي رجل من الشرك فعمدت بها إلى تنور فسجرته فيها) وإذا كان كعب رضي الله تعالى عنه قد فضح هذه الصلة، وعمد إلى الكتاب فأحرقه فكم إذن يا ترى من
(١) ما بين قوسين مقتطفات من قصة كعب وتخلفه. انظر السيرة لابن هشام وغيرها.